اكتشفت الفيروسات صدفة في أثناء إجراء العالم أدولف ماير سنة 1883 بحوثًا على تبرقش أوراق التبغ، فتوصل إلى وجود دقائق أصغر من البكتيريا تسبب المرض. عام 1884، قام عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي شارل شمبرلند باختراع مصفاة (تعرف اليوم بمصفاة شمبرلند أو مصفاة شمبرلند-باستور) مع مسام أصغر من البكتيريا. وبالتالي، يمكنه تمرير محلول يحتوي على البكتيريا وتصفيته وإزالتها تمامًا منه.[12]
تمكن العالم الروسي ديمتري إيفانوفسكي سنة 1892م من تصفية عصارة أوراق التبغ المصابة باستخدام مرشحات خاصة لا تسمح للبكتيريا بالمرور، ومسح بها اوراق غير مصابة فلاحظ إصابتها. وهو أول من أطلق عليها اسم فايرس (ويعني باللاتينية السم وهي عبارة عن جزيئات بسيطة وصغيرة في الحجم)، أظهرت تجاربه أن أوراق نبات التبغ المصابة بعد سحقها ما زالت معدية بعد الترشيح. اقترح ايفانوفسكي أنه قد يكون سبب العدوى مادة سامة تنتجها البكتيريا لكنه لم يتابع هذه الفكرة.[13] في ذلك الوقت كان يعتقد أنه يمكن الإبقاء على جميع العوامل المعدية فوق المصافي وتنميتها على أوساط غذائية (كان هذا جزء من النظرية الجرثومية للمرض).[6] في عام 1898، كرر عالم الجراثيم الهولندي مارتينوس بيجيرينك التجارب وأصبح على قناعة بأن المحلول الناتج عن التصفية يضم شكلًا جديدًا من العوامل المعدية[14] ولاحظ أن هذا العامل أصاب فقط الخلايا التي في منطقة التبرقش، لكن تجاربه لم تظهر له أنه مكون من جسيمات لذا قام بتسميته العامل الجرثومي الذائب (contagium vivum fluidum) ثم عاد واستخدم اسم فيروس فيما بعد.[13] بيجيرينك ساند نظرية كون الفيروسات سائلة في الطبيعة وهي نظرية فقدت مصداقيتها في وقت لاحق من قبل وندل ستانلي الذي أثبت وجود جسيمات.[13] في نفس السنة اكتشف كل من العالمان فريدريك لوفلر وبول فروش أول فيروس يصيب الحيوان وهو فيروس الحمى القلاعية.[15]
مع مطلع القرن 20 اكتشف عالم الجراثيم الإنجليزي فريدريك توارت مجموعة من الفيروسات تصيب البكتيريا، تسمى الآن العاثيات[16] وقد وصفها عالم الجراثيم الكندي-الفرنسي فيليكس دهيريل بأنها الفيروسات التي عند إضافتها إلى البكتيريا على أغار تنتج مناطق من البكتيريا الميتة واكتشف أن أعلى التخفيفات من هذه الفيروسات (أقل تركيز للفيروس) بدلًا من قتل جميع البكتيريا يشكل مناطق منفصلة من الكائنات الميتة. قام فيليكس بحساب عدد هذه المناطق وضربه في معامل التخفيف ما سمح له بحساب عدد الفيروسات في المحلول الأصلي المخفف.[17] وقد بشر بالعاثيات كعلاج محتمل للأمراض مثل التيفوئيد والكوليرا لكن هذه البشارة نسيت مع تطوير البنسلين. دراسة العاثيات أعطت إشارات حول تبديل وإيقاف الجينات واعتبرت آلية مفيدة لإدخال جينات أجنبية إلى البكتيريا.
بحلول نهاية القرن 19، تم تعريف الفيروسات من حيث العدوى وقدرة تصفيتها وكذا حاجتها لمضيف حي. وقد نمت الفيروسات فقط في النباتات والحيوانات. في عام 1906، ابتكر روس جرانفيل هاريسون طريقة لزراعة الأنسجة في اللمف وفي عام 1913 استخدم إ. ستينهاردت وزملائه هذه الطريقة لتنمية فيروس الوقس في أجزاء من أنسجة قرنية خنزير غينيا.[18] في عام 1928 قام هـ. ب. ميتلاند وم. س. ميتلاند بتنمية فيروس الوقس في معلق كلى الدجاج المفروم، لم تعتمد طريقتهم على نطاق واسع حتى 1950 حيث كانت تزرع الفَيْروسَةِ السِّنْجابِيَّة أو ما يعرف بفيروس شلل الأطفال (الفيروس المسبب لشلل الأطفال) على نطاق واسع لإنتاج اللقاحات.[19]
في عام 1931 جاءت انطلاقة أخرى عندما قام عالم الأمراض الأمريكي أرنست وليام غودباستير بتنمية الأنفلونزا وفيروسات عدة أخرى في بيض الدجاج المخصب.[20] عام 1949 قام كل من جون إندرز وتوماس ولر وفردريك روبنز بتنمية فيروس شلل الأطفال في خلايا الجنين البشري، ليكون أول فيروس نمى دون استخدام أنسجة صلبة لحيوانات أو بيض. مكن هذا العمل يوناس سولك من تقديم لقاح فعال ضد شلل الأطفال.[21]
تم الحصول على الصور الأولى للفيروسات بعد اختراع المجهر الإلكتروني في عام 1931 من قبل المهندسين الألمانيين إرنست روسكا وماكس كنول.[22] في عام 1935 قام عالم الفيروسات والكيمياء الحيوية الأميركي وندل ستانلي بدراسة فيروس تبرقش التبغ ووجد أنه يتألف في معظمه من البروتين[23]، بعد ذلك بوقت قصير، تم فصل هذا الفيروس إلى جزئين (بروتين ورنا).[24] كان فيروس تبرقش التبغ أول فيروس تتم بلورته وأمكن بالتالي أن تكون بنيته واضحة بالتفصيل. تم الحصول على أول صور حيود الأشعة السينية للفيروس المبلور من قبل برنال وفانكيشين عام 1941. على أساس صورها، اكتشفت روزاليند فرانكلين بنية الدنا الكامل للفيروس في عام 1955.[25] في نفس السنة بين هاينز فرانكل كونرات وروبلي كوك وليامز أن رنا فيروس تبرقش التبغ النقي ومعطفه البروتيني يمكن أن يجتمعا بحد ذاتهما لتشكيل فيروسات فعالة، مما يوحي بأن هذه الآلية البسيطة ربما كانت الوسائل التي تم إنشاؤها من قبل الفيروسات داخل الخلايا المضيفة.[26]
كان النصف الثاني للقرن العشرين العصر الذهبي لاكتشاف الفيروسات حيث عثر على 2000 نوع وهي معظم الفيروسات المعترف بها لدى الحيوان والنبات والبكتيرية خلال هذه السنوات.[27][28] عام 1957 تم اكتشاف الفيروس الشرياني الخيلي ومسبب الإسهال الفيروسي عند الأبقار (الحمة الطاعونية). تم اكتشاف فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي ب من قبل باروخ بلومبرغ في عام 1963[29]، وصف هوارد تيمن أول فيروس قهقري عام 1965.
الانزيم المفتاح للفيروسات القهقرية (المنتسخة العكسية) والذي يستخدم لترجمة رناها إلى دنا وصف لأول مرة عام 1970 بشكل مستقل من قبل هوارد تيمن وديفيد بلتيمور.[30] في عام 1983 عزل فريق لوك مونتانييه من معهد باستير في فرنسا لأول مرة الفيروس القهقري المعروف الآن بفيروس نقص المناعة البشرية.[31]
واكتشف العالمان ولتر ريد وجيمس كارول أول فيروس يصيب الإنسان وهو فيروس الحمى الصفراء.[32][33]
تعتبر الفيروسات إحدى أهم المعضلات التي تواجه التصنيف الحيوي فهي لا تمثل كائنات حية لذلك توصف غالبًا بالجسيمات المعدية لكنها بالمقابل تبدي بعض خصائص الحياة مثل القدرة على التضاعف والتكاثر بالاستعانة بخلايا المضيف التي تم السيطرة عليها. تقوم الفيروسات بالاستعانة بآليات الخلايا الحيوية عن طريق دس الدنا أو الرنا الفيروسي ضمن المادة الوراثية للخلايا الحية. لكن بالمقابل الفيروسات لا تتحرك ولا تقوم بعمليات استقلاب أو تحلل من تلقاء نفسها، إنها في منطقة وسطى بين الحياة واللاحياة (يبقى تعريف الحياة نفسه غير محدد بدقة، فبعض الجسيمات مثل ريكتسيا تبدي مظاهر الحياة واللاحياة أيضاً).