لماذا يموت اطباء الأسنان مبكرا ؟
ينظر المجتمع الى اطباء الاسنان نظرة فريدة مقارنة بالمهن الأخرى ، العديد من الناس يشعرون بالخوف من طبيب الأسنان ، ولكنهم في نفس الوقت يعتقدون انها من التخصصات ذات الرفاهية ، فطبيب الأسنان دائما أنيق ، نظيف ، مبتسم ، يعمل في بيئة نظيفة ، يعتقدون انه تخصص مريح لا يتطلب كثيرا من الجهد لكن الواقع يختلف عن ذلك اختلافا كبيرا.
تشير العديد من الدراسات التي اجريت منذ ستينات القرن الماضي ان اطباء الأسنان معرضون للانتحار بشكل اكبر من الوظائف الأخرى بمعدلات وصلت الى 6.64 ضعفاً في بعض الدراسات.
بالطبع فإن هذه الدراسات التي اقيمت في دول غربية لا يمكن تطبيقها في الشرق الأوسط حيث البيئة الدينية والاجتماعية تشكل حاجزا يحمي من الانتحار , لكن الضغط النفسي والجسدي الذي يعانيه اطباء الأسنان والعوامل المسببة له تتشابه على مستوى العالم ، مما يؤدي الى ارتفاع معدلات الاصابة بأمراض القلب ، قرحة المعدة ، القولون العصبي ، ارتفاع ضغط الدم ، آلام اسفل الظهر ، اجهاد العصب البصري والاكتئاب الحاد.
كبداية يحتاج المرء الى سنوات طويلة من الدراسة ليصبح طبيب اسنان ، ثم يحتاج الى سنوات من الممارسة والتعليم المستمر ليصبح طبيب اسنان جيد كما يتطلب طب الأسنان معرفة والماماً بالطب ، الفيزياء ، علم خواص المواد ، الرسم والنحت مع تركيز حاد واهتمام فائق بالتفاصيل الدقيقة.
ثم ان هناك العديد من العوامل التي يتعرض لها الانسان تؤدي الى الضغط النفسي والعصبي ، في المعدلات الطبيعية فإن اطباء الأسنان يواجهون 5-7 عوامل بشكل يومي اكثر من غيرهم .
من هذه العوامل :
* الخوف من الأماكن المغلقة :
يقضي اطباء الأسنان معظم حياتهم في عيادات صغيرة ، قد تكون بلا نوافذ ، واحيانا تكون بمساحات اضيق من الزنازين التي بالسجون يضاف الى ذلك عملهم الدقيق جدا والذي يتطلب ان يحصر الطبيب كامل وعيه وتركيزه في مساحة صغيرة جدا وضيقة _ فم المريض _ بداخلها تجاويف اصغر بكثير تكون داخل الأسنان .
* العٌزلة :
يعمل اغلب اطباء الأسنان بشكل منعزل فحين يعمل الطبيب علي علاج الأسنان فإن كافة الاجراءات والنتائج تقع على عاتقه أي لا يوجد فريق عمل بمعناه الموجود في الوظائف الأخرى يمكنه توزيع المهام فيما بينهم كما يزيد من عامل العزلة تنافس الأطباء فيما بينهم ، شيء اعتادوا عليه خلال فترة الدراسة الجامعية وزاد تأثيره بعد تخرجهم ومقارنة انفسهم باطباء اكثر خبرة واحيانا اكثر “حظا “.
* خوف المرضى وعدم تعاونهم :
الضغط النفسي الذي يسببه التعامل مع المرضى الخائفين والقلقين قد يكون مدمراً لأعصاب طبيب الأسنان ، تشير العديد من الدراسات ان اطباء الاسنان يصابون بعدوى القلق عند التعامل مع الاشخاص القلقين ، ( ارتفاع عدد دقات القلب ، ارتفاع ضغط الدم ، التعرق ، اختلاف معدلات التنفس ) هذا بدوره يعرض طبيب السنان الى الاصابة بنوبات القلب المبكرة وامراض مثل الضغط والسكر وتضيّق الشرايين.
* البحث عن الكمال :
المحاولات لتقديم افضل علاج في بيئة ضيقة جدا مليئة بالبكتيريا والجراثيم ( الفم ) مع وجود اللسان والشفتين يشكل عائقا يضاف الى ذلك دقة هذا العمل حيث ان كل شيء يتم حسابه بالميكرون ( 1 مايكرون = 0.001 مليمتر ) هذا الهوس بالكمال يبدأ في مرحلة الدراسة ويستمر طوال حياة الطبيب العملية وعلى الرغم من ذلك قد تفشل اكثر العلاجات اتقانا بسبب اهمال المريض او عدم اتباعه لتعليمات الطبيب مما يشكل سببا اخر يدفع الطبيب الى الانفعال .
من العوامل التي تصدم طبيب الأسنان ايضا بعد تخرجه هو الحدود التي تمنعه من تقديم افضل مستوى علاج للمريض نفسه ، مثل عدم قدرة او عدم رغبة المريض في الحصول على العلاج الأفضل لأسباب تتعلق بالتكلفة المادية او الوقت ، نقص الامكانات في المنشآت المجانية ، تغطية التأمين ، كل هذا يدفع الطبيب الى تغيير خطته العلاجية مما يمكن ان يؤدي الى علاج اقل جودة واكثر ارهاقا .
يضاف الى ذلك اضطرار الطبيب الى التنافس مع عيادات تقدم العلاج بتكاليف منخفضة للغاية لكن بجودة رديئة معتمدين علي قلة الوعي في المجتمع لتتحول عياداتهم الى “ورشة اصلاح” والتخلي عن فكرة تغيير العادات الصحية للمريض او تقديم العلاج الكامل له.
* الوقت :
محاولات الطبيب المستمرة للمحافظة على مواعيده في يوم مزدحم هو سبب آخر للتوتر والضغط النفسي , طبيب الأسنان في سباق دائم مع الوقت ، فهو يرغب في تقديم العلاج بالشكل اللائق للمريض خلال الزمن المخصص للموعد والا سيضطر لتأخير المريض الذي بعده ، وربما كافة المواعيد خلال اليوم , يقول قانون مورفي ” اذا توفرت الاحتمالات لحدوث شيء سيء ، فإنه سوف يحدث ، وفي الغالب سيحدث في اسوأ وقت ممكن “ . هذا القانون يحدث بشكل متكرر في عيادات الأسنان ، والمرضى واسنانهم لا يتوقفون عن تقديم المفاجآت.
فعندما يعتقد الطبيب ان اجراءاً ما سيستغرق نصف ساعة فإن المريض سوف يتكلم لمدة نصف ساعة ، ثم يكتشف الطبيب مضاعفات تجعله يحتاج الى ساعة ونصف لعلاج الأسنان.
* الضغط الاقتصادي :
يعتقد الناس ان مهنة طب الأسنان هي من اكثر المهن ربحاً ، لكن الواقع يختلف تماما خصوصا في المنطقة العربية والشرق الأوسط ، اذ ان ارتفاع اسعار العلاج يقابلها ارتفاع في عدد وتكلفة الأدوات والمواد التي يستهلكها الطبيب مقارنة بالتخصصات الأخرى اضف الى ذلك تكلفة الأجهزة والتشغيل ورواتب طاقم العمل والمصروفات الادارية وتكلفة المعامل التي تقوم بعمل التركيبات وعلى خلاف العمل في التجارة مثلا كذلك فإن الطبيب الذي يعمل لحسابه لا يستطيع ربح المال في حال لم يعمل ، كلما عملت اكثر تحصل على المال واذا لم تعمل او تغيبت عن العمل لسبب ما لا تحصل على شيء مما يجعل الطبيب في دوامة العمل لا يستطيع الخروج منها الا بتوفير مصدر آخر للدخل.
* شخصية الطبيب :
يشير الباحثون الى ان الصفات الشخصية لطبيب الأسنان المُخلِص هي نفس الصفات الشخصية التي تقود صاحبها الى الاكتئاب ، الإهتمام القهري بالتفاصيل , الضمير الحاد , كتم المشاعر والانفعال , السعي الى الاتقان , وتوقع المزيد سواء من نفسه او من الاشخاص الذين يعملون معه , الاعتماد الزائد على النفس والتركيز المبالغ علي الصورة العامة.
الله المعين لطبيب الاسنان يكتم كل مشاكل الدنيا ولا يظهر للاخرين إلا بشاشة الوجه وحسن الخلق يصنع الابتسامه للآخرين ويكتم بداخله كل تعاسة !
اكرم جواد كاظم