“سر الالقاء”
” لا يعتمد الأمر كثيرا على ما تقوله مثلما يعتمد على طريقة إلقائه “
” ان الإلقاء الجيد يجعل المادة الهزيلة ذات معنى وقيمة”
قال اللورد مورلي مرة بمرح سافر: ” هناك ثلاثة أشياء مهمة في الخطاب، من يلقيه ؟، وكيف يلقيه ؟، وما الذي يقوله؟،
والشيء الأقل أهمية من بين هذه الصفات الثلاثة هي الأخيرة”.
فهل هذه مغالاة؟ أجل، لكن امسح ظاهرها وستجد الحقيقة تشع من داخلها
كتب أحد الخطباء خطبا ممتازة جدا من ناحية المنطق والحكمة والانشاء، ومع ذلك كان يفشل في إلقائها أمام الجمهور، اذ لم تكن
لديه القدرة على إيصال كنوزه الثمينة وإظهارها بطريقة لائقة
لذا، انتبه جيدا لطريقة إلقائك
:الإلقاء تواصل
التواصل، يجب أن يشعر المستمع أن هناك رسالة موجهة من ذهن وقلب الخطيب الى ذهنه وقلبه
سر الإلقاء الجيد
أولاً: تحدث بأسلوب طبيعي
إن الجمهور الحديث، سواء كان في اجتماع عمل أو تحت خيمة، يريد من الخطيب أن يتحدث بشكل مباشر مثلما يفعل خلال جلسة
سمر، وفي الأسلوب العام كالذي يستخدمه أثناء محادثة واحد منهم
المستمع يريد: ” نبرتك الطبيعية في الإلقاء “، ولكن بشكل مضخم قليلا
اذا كنت تخطب أمام الناس فانك لن تستحوذ على استحسانهم الا عندما تخطب بأسلوب طبيعي
فالخطيب الجيد لا يجذب الانتباه إلى شخصه، ولكن إلى العبارات والكلمات التي تنساب من قلبه كالسلاسل الذهبية.
ثق بأنك فريد في شخصيتك ومتفرد بأسلوبك وفكرتك، وليس لك شبيه، فأنت تمتلك أثمن هبة فتعلق بها وطورها، فهي الشرارة
التي ستضع القوة والإخلاص في خطابك
ان ذلك يحتاج الى التدريب ليأتي الخطاب طبيعيا أمام الجمهور مثل الممثلون
ان مشكلة تعليم أو تدري الناس على الإلقاء ليست من المميزات الصعبة الإضافية، بل انها مسألة إزالة العوائق وتحريرهم
واستدراجهم للتحدث بشكل طبيعي
فإذا وجدت نفسك تتحدث بأسلوب متكلف، توقف وقل بحدة لنفسك: ” ما الأمر؟ انتبه
إن الإخلاص والحماس والصدق يساعدك أيضا. فعندما يكون الانسان تحت تأثير مشاعره، تبرز ذاته الحقيقية، وتزال من أمامها
القضبان. اذ أن حرارة عواطفه تحرق كل الحواجز. فيتصرف تلقائيا، ويتحدث بتلقائية. فيكون طبيعيا
وهكذا، في النهاية، يرجع موضوع الإلقاء الى الشيء الذي شددنا عليه في البداية: ضع قلبك في خطابك
ثانياً: شدد على الكلمات المهمة: إخفض الكلمات غير المهمة
خلال المحادثة، نشدد على جزء من الكلمة، ونذكر بسرعة الأجزاء الأخرى، مثلما تمر سيارة الأجرة أمام مجموعة
.من المتشردين
ثالثاً: غير طبقات صوتك
تتدفق طبقات صوتنا، خلال المحادثة، نحو الأعلى والأسفل وبالعكس. فلا تستقر بل تبقى متموجة كسطح البحر
عندما تجد نفسك تتحدث بطبقة رتيبة – عادة تكون مرتفعة – توقف قليلا وقل في نفسك: ” أنا أتكلم كالأخرق. كن انسانا، كن طبيعيا
هل يساعدك هذا النوع من تعليم ذاتك؟ ربما قليلا. ان التوقف ذاته سيساعدك. وعليك أن تحقق خلاصتك بالتدريب..
رابعاً: غير معدل سرعة صوتك
يخبرنا والتر. ب. ستيفنز في كتابه ” تقارير لنكولن ” الصادر عن جمعية ” ميسوري ” التاريخية، أن هذه كانت أفضل الوسائل
بالنسبة للنكولن من أجل إيصال فكرته:
” كان يقول عدة كلمات بسرعة عظيمة، وعندما يصل الى الكلمة أو الجملة التي يرغب في التشديد عليها – يرفع صوته ببطء. ثم
يندفع الى آخر جملته كالبرق… فكان يكرس وقتا لكلمة أو لكلمتين يرغب في التأكيد عليهما، أكثر مما يكرسه لستة كلمات تكون
أقل قيمة منها “.
خامساً: توقف قبل وبعد الأفكار المهمة
غالبا ما كان لنكولن يتوقف أثناء خطابه. فعندما يمر بفكرة عظيمة يرغب في ترسيخها بأذهان مستمعيه، ينحني الى الأمام ويحدق
بعيونهم مباشرة للحظة من دون أن يقول شيئا. هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة المفاجئة ذاتها: فهي تجذب الانتباه. وهي
تجعل كل انسان منتبه وواع لما سيتلو ذلك. مثلا، عندما كانت نقاشاته المشهورة مع دوغلاس تشرف على الانتهاء، وعندما
تشير الدلائل الى هزيمته، ينتابه الأسى، والحزن الاعتيادي القديم يعود اليه في بعض الأوقات، فتأتي كلماته مصبوغة بالرقة. ففي
نهاية خطبه، يتوقف فجأة ويقف صامتا للحظة، ثم ينظر الى الوجوه التي نصفها عدائي ونصفها حميم، بعينيه القلقتين العميقتين
اللتين كانتا تبدوان مليئتين بالدموع التي لم تنهمر. ثم يفرد ذراعيه وكأنهما متعبتين من جراء قتال مميت، ويقول بنبرته الغريبة:
” أيها الأصدقاء، هناك فرق بسيط بين انتخابي وانتخاب القاضي دوغلاس الى مجلس الشيوخ الأميركي. لكن المسألة العظيمة
التي قدمناها لكم اليوم هي بعيدة جدا عن المصالح الشخصية أو المصير السياسي لأي رجل. يا أصدقائي “، هنا يتوقف ثانية،
فيصغي الجمهور الى كل كلمة، ” هذه المسألة ستعيش وتتنفس وتحيا عندما يصمت في القبر لسان القاضي دوغلاس ولساني
الضعيف المتلعثم “.
” هذه الكلمات البسيطة “، تقول احدى مذكراته، “لامست كل قلب في الصميم”.
كان لنكولن يتوقف بعد كل جملة يريد توكيدها. فكان يضيف الى قوتها من خلال الصمت، بينما يغوص المعنى ويؤدي رسالته.
ودائما ما كان السير أوليفر لودج يتوقف في خطابه قبل وبعد كل فكرة مهمة، يتوقف ثلاث أو أربع مرات في الجملة
الواحدة، لكنه كان يفعل ذلك بشكل طبيعي. ومن دون تكلف.
قال كيبلينغ: ” من خلال صمتك تتكلم “. فالصمت ليس ذهبيا أكثر مما يستخدم عندما تتكلم. وهو أداة قوية ومهمة لا ينبغي
.إغفالها، ومع ذلك، فهي مهملة دائما من قبل الخطيب المبتدئ
.منقول